التسامح يعرف بضده التعصب ومصدر التعصب في التاريخ الإنساني وهو عصب الفكرة الشمولية الأحادية سواء كانت دينية أو وضعية ونجد التسامح بمعناها العالمي استناداً إلى الإعلان العالمي لمبادئ التسامح في الاحترام والقبول بالآخر، وتقدير ثراء التنوع الحضاري في الثقافة الحضارية والمحلية والعالمية، وهو يعزز بالمعرفة واختلاف الآراء وكثافة الاتصال وتأصل حرية التفكير والمعتقد.
وحسب الإعلان العالمي، هو تناغم الاختلاف أي ائتلاف الاختلاف إذ ليس فقط واجباً أخلاقياً إنما مطلب سياسي وقانوني: فالتسامح ممارسة فردية وجماعية ورسمية من قبل الدول والأفراد ومسؤولية تدعيم حقوق الإنسان والتعددية والديمقراطية وحكم القانون وذلك يقتضي رفض كل مظاهر الاستبداد والحكم المطلق.
وبترسخ مفهوم التسامح يعني أن المرء حر في أن يتمسك ويتقيد بقناعاته مع قبوله قناعات الآخرين ومع الحق في الاختلاف الطبيعي في قيمهم وسلوكهم ومواقفهم وأن لا يفرض الرأي الواحد على الآخر!
ومن هنا تكمن أهمية الدعوة إلى تأصيل سياسة التسامح في قوانين وثقافة المجتمع لمكافحة مظاهر التعصب الديني والقومي والوطني ورفض الإقصاء والابعاد والتهميش والتمييز بكل أنواعه وألوانه.
التسامح وللاعنف
لقد ارتبط مفهوم التسامح باللاعنف فكأن التعصب المصدر الحقيقي للعدوانية والشر ولن تجد علاقات التسامح وضرورتها وأهميتها في أية مرحلة كانت بغياب أساسها الطبيعي باللاعنف والتي تتضمن حق الإنسان في تحديد خياراته دون إكراه أو ضغط، وتقوية العقل الإنساني في مثله وقيمه العليا الحرية وكرامة الإنسان عبر الحوار والتسامح والاحترام الصارم لخياراته.
إن التسامح واللاعنف في علاقتنا البسيطة بما حولنا ومع غيرنا تصنع خطواتنا بكثير من النجاح والنزاهة والعدل وتتسع دائرة مداركنا فتتقلص مساحة الجهل بالآخر وتزيد تعميق تجاربنا بما تحقق الكثير من النجاح.
التسامح...
مقاربات تاريخية ومفاهيميه
مقدمة:
يقف مفهوم "التسامح" في مواجهة ضدية صلبة في وجه مفهوم "التعصب". ففي حين يرتكز المفهوم الأول، بما يحمله من قيّم الخير، في معانيه المبسطة على صفة "الصفح" يقوم المفهوم الثاني، بما يحمله من قيّم الشر، على "الانتقام". وفي حين يقوم التسامح في تجليات معانيه الأولى على مبدأ الحوار الذي يتسع للرأي والرأي الآخر، يقوم التعصب، على مبدأ احتكار الرأي الأوحد ورفض الرأي الآخر. وبمعنى أكثر تحديداً فإن مفهوم التسامح الذي يستخدم الحوار أسلوباً وحيداً بين بني البشر، يتسع لمختلف وجهات النظر المتداولة بين الناس، ويفسح المجال لتصارع الأفكار بشكل سلميّ، مما يؤدي إلى تحقيق التعايش والسلم الاجتماعي داخل المجتمع الواحد، بغض النظر عن مدى تجانسه، انتماءاته العرقية أو الدينية أو الثقافية، والتداول السلمي للسلطة، ويحقق بالتالي التعايش والسلم بين الشعوب أيضاً. وأما مفهوم التعصب، الذي يقف على النقيض منه تماماً، ويستخدم التناحر والاقتتال أسلوباً لفض النزاعات والخلاف، فإنه يفسح المجال لاستخدام العنف بين الناس كأسلوب لحل النزاعات والتناقضات، مما يؤدي إلى خلق حالة من التصارع المجتمعي العنيف، وتنمية العداء بين الشعوب، وبالتالي تعريض المجتمع والعلاقات بين الشعوب للخطر.
وفق هذه المقاربة الاجتهادية لتعريف مفهوم التسامح، نرى أن الحديث يجري هنا عن مجموعة من القيم في آن واحد، بعضها أخلاقي، بعضها فلسفي، بعضها ديني، وبعضها حقوقي. ولكن هذه المستويات ليست وليدة لحظة تاريخية واحدة، تشكلت في غفلة من الزمن، بل هي نتاج التطور التاريخي الطويل في العلاقات الإنسانية، بأبعادها الاقتصادية/الاجتماعية/الثقافية/السياسية. فالتسامح، إذا ما تتبعنا جذوره الأولى قبل تشكل العلاقات الاجتماعية المتشابكة والمعقدة، نجد أنه كان في مفهومة المبسط قيمة أخلاقية تحكم العلاقات بين أفراد المجتمع الواحد. ولو عدنا للتعريف اللغوي بالعربية لكلمة "تسامح" لوجدنا أن اشتقاق كلمة "تَسَامُحْ" في اللغة العربية يعود إلى الفعل الثلاثي "سَمَحَ". وجاء في "المنجد في اللغة والإعلام" ما يلي: سَمُحَ سَمَاحَاً وسَماحَةً وسُمُوحَةً وسَمْحَاً وسِمَاحَاً: صار من أهل الجود والسَمَاحة، فهو سَمْحٌ وسَمِيحٌ ومِسْمَحٌ ومِسْماحٌ. نقول سَمَحَ له بالشيء جادَ به وأعطاه إياه. والمَسْمَحُ: المُتَسَعُ. يقال: "إن في الحقِ لَمَسْمَحَاً، أي متَّسَعَاً". سَمَّحَ:ساهَلَ ولانَ. وسامَحَه في الأمر: ساهَلهُ ولاينَهُ ووافَقَهُ على مطلوبِهِ. وسامَحَهُ بِذَنْبِهِ: صَفَحَ عنه. تَسَمَّحَ وتَسَامَحَ بكذا: تساهَل فيه.