يضمّ التقويم الهجري بين شهوره -والّتي تبلغ اثني عشر شهراً- أعظم شهر في السنة ألا وهو شهر رمضان المبارك، شهر الصيام الّذي له كلّ القداسة في قلوب المسلمين، لما له من أفضال ومزايا لا يمكن أن نجدها في أيّ من شهور السنة الأخرى؛ ففيه تفتح أبواب السماء وأبواب الجنة، وتغلق فيه أبواب النار، وتصفد فيه الشياطين التي تزيّن المعصية في عيني المسلم، وتعمّ فيه رحمة الله عزّ وجل على عباده، فيقبل الكثير من العاصين على التوبة من ذنوبهم؛ فشهر رمضان أوّله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتقٌ من النار، وكما وصفه رسولنا ونبيّنا الحبيب محمّد عليه الصلاة والسلام في حديثه الشريف: " إذا كانت أوّل ليلة من رمضان صفدت الشياطين ومردة الجن وغلقت أبواب النار فلم يفتح منها باب وفتحت أبواب الجنة فلم يغلق منها باب ونادى منادياً باغي الخير أقبل ويا باغي الشر أقصر ولله عتقاء من النار وذلك في كلّ ليلة".
وشهر رمضان كغيره من الأشهر الهجريّة التي تمّت تسميتها وفقاً للأزمنة والمواسم التي جاءت فيها، فصادف مجيء شهر رمضان المبارك أيّام الحر الشديد جداً، والذي يسمى عند العرب بالرمض، ومن هذه الكلمة اشتقّ اسم رمضان، فكما يقال: يرمض رمضاً أي بمعنى اشتدّ حرّه، وأرمض الحر القوم بمعنى اشتدّ عليهم الحر.
فضل شهر رمضان
لشهر رمضان مكانة عظيمة لا يمكن لأيٍّ من الشهور الوصول إليها، ففيه أنزل الله عزّ وجل أوّل آية من القرآن الكريم على سيّدنا محمّد عليه الصلاة والسلام بواسطة جبريل عليه السلام كما ورد في الآية الكريمة: " إنا أنزلناه في ليلة القدر"، وهي قوله عز وجل :"اقرأ باسم ربك الذي خلق"، وصادف نزول هذه الآية الكريمة موعد ليلة القدر، وهي أعظم ليلة في السنة بأكملها، وليلة القدر تعني في اللغة العربيّة "ليلة القدرة والقوة" أو "ليلة المصير المقدر"، وهي أكثر الليالي قداسةً، فيكثر المسلمون من أداء العبادات فيها؛ لأنّ العبادة في هذه الليلة تعادل العبادات في ألف شهر، فكما قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: "ليلة القدرِ خيرٌ من ألف شهر".
وشهر رمضان هو الشّهر الّذي يوحّد المسلمين من جميع أقطار العالم بصومهم وإفطارهم في الوقت نفسه، وصوم رمضان فرض عين على كلّ مسلم ومسلمة، فصيامه الركن الرابع من الأركان التي لا يقوم عليها الإسلام، والصوم يعني الامتناع عن تناول الطعام والشراب والجماع منذ طلوع الفجر وحتّى مغيب الشمس، كما يمتنع المسلم أثناء الصيام عن ارتكاب المعاصي والآثام، والوقت الّذي يبدأ فيه الامتناع عن تناول الطعام والشراب والجماع يسمّى وقت الإمساك، ويبدأ من طلوع الفجر الثاني أو الفجر الصحيح؛ أي منذ الأذان الثاني لصلاة الفجر، وينتهي عند غروب الشمس، كما في قوله جلّ وعلا: "كلوا واشربوا حتى يتبيّن لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتمّوا الصيام إلى الليل"، وكما ورد أيضاً في قوله عليه الصلاة والسلام: "الفجر فجران: فجر يحرم الطعام وتحل فيه الصلاة، وفجر تحرم فيه الصلاة ويحل فيه الطعام".