أيها الصائمون والصائمات: عن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: سمعت رسول الله )صلى الله عليه وسلم( يقول
هذا رمضان قد جاء تفتح فيه أبواب الجنة وتغلق فيه أبواب النار وتغل فيه الشياطين ، بعداً لمن أدرك رمضان فلم يغفر له، إذا لم يغفر فيه فمتى(، وعن عائشة ـ رضي الله عنها ـ قالت: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
إذا دخل رمضان فتحت أبواب الجنان كلها فلم يغلق منها باب إلى آخر الشهر، وسلسلت مردة الشياطين، ولله عتقاء عند كل فطر يعتقهم من النار) (رواه الطبراني في الأوسط وفيه ابن لهيعة وحديثه حسن وفيه كلام وبقية رجاله رجال الصحيح)، وعن أنس بن مالك ـ رضي الله عنه ـ قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
سبحان الله ماذا استقبلكم، وماذا تستقبلون؟ ثلاثاً ـ يعني قالها ثلاثاً ـ قال فقال عمر بن الخطاب: أوحي نزل أم عدو حضر؟ قال فقال
إن الله يغفر في أول ليلة من شهر رمضان لكل أهل هذه القبلة) قال: فقال رجل بين يديه وهو يهز رأسه بخٍ .. بخٍ؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) كأنه ضاق صدرك؟ قال: لا ولكن ذكرت المنافق، فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
المنافق كافر وليس لكافر في ذلك شيء).
وعن سلمان الفارسي ـ رضي الله عنه ـ قال: خطبنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) في آخر يوم من شعبان قال
يا أيها الناس قد أظلكم شهر عظيم مبارك شهر فيه ليلة خير من ألف شهر، شهر جعل الله صيامه فريضة وقيام ليله تطوعا ، من تقرب فيه بخصلة من الخير كان كمن أدى فريضة فيما سواه، ومن أدى فريضة فيه كان كمن أدى سبعين فريضة فيما سواه، وهو شهر الصبر والصبر ثوابه الجنة، وشهر المواساة وشهر يزاد في رزق المؤمن فيه، من فطر فيه صائما كان مغفرة لذنوبه وعتق رقبته من النار، وكان له مثل أجره لا ينقص من أجره شيء)، قالوا يا رسول الله: ليس كلنا يجد ما يفطر الصائم؟ فقال رسول الله (صلى الله عليه وسلم)
يعطي الله هذا الثواب من فطر صائما على تمرة أو على شربة ماء أو مذقة لبن، وهو شهر أوله رحمة وأوسطه مغفرة وآخره عتق من النار، من خفف عن مملوكه فيه غفر الله له وأعتقه من النار، واستكثروا فيه من أربع خصال: خصلتين ترضون بهما ربكم وخصلتين لا غناء بكم عنهما: فأما الخصلتان اللتان ترضون بهما ربكم: فشهادة أن لا إله إلا الله وتستغفرونه، وأما الخصلتان اللتان لا غناء بكم عنهما: فتسألون الله الجنة وتعوذون به من النار، ومن سقى صائما سقاه الله من حوضي شربة لا يظمأ حتى يدخل الجنة).
شهر رمضان شهر الصيام والقيام وتلاوة القرآن وشهر العتق من النيران، وشهر الغفران، شهر الصدقات والإحسان، الشهر الذي تقال فيه العثرات وتجاب فيه الدعوات، وتُرفع فيه الدرجات ويزاد في الحسنات وتغفر فيه السيئات
ويا خسارة من خرج رمضان ولم يستزد فيه من الصالحات، ويا ندامة من خرج رمضان ولم يتمسك به من الدين بالعروة الوثقى، ويا لهفاً على من خرج رمضان وحاله كما هي قبل رمضان، من ذنوب وعصيان .
شهر رمضان شهر يجود الله فيه سبحانه على عباده بأنواع العبادات والكرامات، ويُجزل الله سبحانه فيه لأوليائه العطايا، ويعفو فيه عن الرزايا. فينبغي على المسلمين تعظيمه بالنية الصالحة والاجتهاد في حفظ الصيام والقيام والمسابقة إلى الخيرات، والمسارعة إلى الطاعات، ليفوز المسلم بالكرامة والأجر العظيم من رب الأرض والسموات.
وينبغي على المؤمن أن يحفظ صومه من الأوزار والآثام، حتى يحفظ صومه من كل شائبة .
وممّا يجب على المؤمن في شهر رمضان وغيره وفي رمضان آكد، أن يحفظ لسانه عن الغيبة والنميمة والوقيعة في أعراض المسلمين، لأن ذلك مُذهب لأجر الصيام ولا حول ولا قوّة إلاّ بالله، قال (صلى الله عليه وسلم): (من صام رمضان وعرف حدوده وتحفظ مما ينبغي له أن يتحفظ منه كَفّرَ ما قبله) ـ رواه الإمام أحمد، وقبل ذلك قال الله تعالى في تحريم الغيبة والنميمة
ولا يغتب بعضكم بعضاً أيُحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه)، وقال (صلى الله عليه وسلم)
لا يدخل الجنة نمّام) ـ متفق عليه، وقال (صلى الله عليه وسلم)
ما صام من ظلّ يأكل لحوم الناس) ـ رواه ابن شيبة 2 / 273.
وذكر أن امرأتين صامتا في عهد رسول الله (صلى الله عليه وسلم)، فكادتا تموتا من العطش، فذُكر ذلك للنبي (صلى الله عليه وسلم)، فأعرض عنهما، ثم ذُكرتا له، فدعاهما، فأمرهما أن تتقيئا، فقاءتا ملء قدح، قيحاً ودماً وصديداً، ولحماً عبيطاً، فقال النبي (صلى الله عليه وسلم)
إن هاتين صامتا عما أحل الله لهما ، وأفطرتا على ما حرم الله عليهما، جلست إحداهما إلى الأخرى ، فجعلتا تأكلان لحوم الناس).
* وظائف شهر رمضان
قال جابر بن عبدالله ـ رضي الله عنه
إذا صمت فليصم سمعك وبصرك ولسانك عن الكذب والمحارم ودع أذى الجار وليكن عليك وقار وسكينة ولا تجعل يوم صومك ويوم فطرك سواء) ـ رواه ابن شيبة 2 / 272، هكذا ينبغي للمسلم أن يستقبل شهر رمضان وينبغي له أن يكون فيه، فهي مواسم قد لا تتكرر وقد لا يُدركها الإنسان كل عام، فينبغي أن يغتنمها ويستثمرها في الطاعة .
وليس معنى الصيام أن الإنسان يبقى طوال اليوم عابس الوجه، ضيق الخلق، عنيف التعامل، شديد الطباع، قاسي الكلام، غليظ القلب، بل الصيام يعلم حسن الخلق، وحسن التصرف مع الناس، وبشاشة الوجه، وطلاقة المحيا ، لأن الصيام يضيق مجاري الشيطان من ابن آدم، فيكون الصائم طيب الكلام ، يتحمل ما يأتيه من شتائم وسباب، وإذا شتم أو تعرض للسب، فعليه أن يرد بقوله
إني امرؤ صائم) أو
إني صائم)، ويجب على الصائم أن يقدر شعور الآخرين، ويحترم جميع الصائمين وغير الصائمين، ويعاملهم بحسن الخلق والأدب الجم، فهو في شهر التعود والصبر والمصابرة على فعل الخيرات .
وما نراه اليوم من تهافت الناس على البقالات، ومحلات الأدوات المنزلية لشراء الأطعمة والأشربة، والأواني، ما هو إلا نتيجة لعدم فهم نصوص الشريعة، وعدم فهم لما من أجله شرع صيام شهر رمضان ، فالله تبارك وتعالى بين للمسلمين ذلك بياناً واضحاً لا يخفى حكمه على أحد إلا ممن ترك العمل بكتاب الله، وهجر قراءته، وابتعد عن تدبره، قال تعالى
يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون) إن الغاية التي من أجلها شرع الله تبارك وتعالى صيام شهر رمضان هي التقوى، لأن الصيام عمل بين العبد وربه، فمن الناس من يفطر حقيقة بالأكل والشرب وسائر المفطرات إذا خلا بنفسه، ومن الناس من يفطر مجازاً لا حقيقة فتراه يأكل لحوم البشر بلسانه، ومن الناس من يجرح صومه بمشاهدة ما حرم الله أو سماع الحرام، إن التقوى جماع الإيمان، ولقد أمر الله عباده بها، وحثهم عليها، لأنها سبيل إلى الجنة ، فكم هم المتقون اليوم، لقد فهم الناس اليوم الصوم فهماً خاطئاً حتى زلت الأقدام عن حقيقة الصوم، فنكست الطباع، وغيرت الأوضاع ، وأصبح الناس في ضياع ، عندما اختلت موازين فهم صيام شهر رمضان ، تدفق الناس جماعات وفرادى إلى الأسواق، وغصت الأسواق والمحلات التجارية بالمسلمين، وكأنهم في شهر الأكل والشرب، بل وكأنهم قادمون على شهر مجاعة، وكثر الخصام، وزاد الجدال، وانعدم الوئام، كل ذلك بسبب الفهم الخاطئ لما شرع له شهر رمضان، فلا بد من فهم صائب، وتصحيح للمفاهيم.
فليس شهر رمضان شهر أكل وشرب وسهر ونوم ولهو، ومشاهدة للفضائيات، وإكثار من شرب الدخان، بل هو أعظم من ذلك بكثير، فهو شهر صبر وترويض للنفس البشرية وكبح لجماحها، وكسر لشهواتها، وكبت لملذاتها، شهر رمضان شهر أنزل الله فيه القرآن، فهو شهر تلاوة القرآن، فينبغي على العبد أن يستزيد فيه من الطاعات، والإكثار من الحسنات بتلاوة كتاب الله العزيز آناء الليل والنهار، فعلى المسلم الصادق الذي عرف الغاية من شهر رمضان أن يُكثر فيه من ختم كتاب الله تعالى، وعليه أن يحرم ما حرم الله ورسوله، وكذلك المرأة المسلمة ينبغي أن توزع أوقاتها ، فلا تقضيها بين أربعة جدران حبيسة المطبخ، لتتفنن في أنواع الطهي والطعام، ثم بعد ذلك تخلد للراحة ومشاهدة المسلسلات ، ثم تعود لتزاول مهنة الطهي للسحور، هذا فهم قبيح لشهر الصوم، فالمرأة العاقلة هي التي تعرف كيف تجعل من شهر رمضان شهر عبادة وتقوى وطاعة للمولى جل وعلا ، فتوزع الأوقات ما بين إعداد لطعام الإفطار وليكن ذلك في وقت مبكر، ثم تقرأ كتاب ربها، أو تستمع للأشرطة والمواعظ ، وتجلس مع رب الأسرة والأولاد لدراسة بعض أحكام الصيام ، من الكتب التي تعني بذلك، وعلى المسلمة أن تحذر في هذا الشهر من القيل والقال، وكثرة الزيارات التي لا فائدة فيها ، ولا طائل منها .
و أسأل الله أن يؤلف قلوب المسلمين، وأن يجعلهم اخوة متحابين، وأن يهديهم سبل السلام ، ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، وأن يرزقنا جميعاً العلم النافع والعمل الصالح ، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، والحمد لله رب العالمين.